وقبل أن تعظني نفسي كنت أظل مرتابا في قيمة أعمالي وقدرها.. حتى تبعث إليها الأيام بمن يقرظها أو يهجوها..
أما الآن فقد عرفت أن الأشجار تزهر في الربيع، وتثمر في الصيف، ولا مطمع لها بالثناء...
وتنثر أوراقها في الخريف، وتتعرّى في الشتاء، ولا تخشى الملامة...»
هذه المقولة «لجبران خليل جبران» استوقفتني كثيرًا لعمق فلسفتها الفكرية، ولجمال أسلوب صياغتها الأدبي..
فالكاتب استطاع أن يوجز قلقه وتوتره وعدم الثقة في إنتاجه الفكري في كلمة « الارتياب» قبل وعظ نفسه له.. أي حين كان كاتبًا مغمورًا.
أما بعد وعظها له، أي بعد أن أصبح اسمه أشهر من نار على علم.. فقد استطاع أن يوجز ارتياحه وهدوءه وثقته في إنتاجه بالتشبه «بالأشجار».. فهي سامقة شاهقة في كل أحوالها..
مقولة تلخص نفسية الإنسان في رحلة النجاح، من بدايتها إلى الوصول إلى قمة النجاح ..
نعم .. هناك مرحلة في مسيرة عمل الفرد يشعر أنه أثبت قدرته، وأصبح له شأن مهم على الصعيد العام من خلال عمله....
فتهدأ نفسه عن متابعة من يمدحه ومن يذمه ولا يعود يبالي بحكم الآخرين عليه سواء كان موجبًا أو سالبًا...
قد يرى البعض العنجهية والغرور في هذه المقولة.. ولكن كاتبًا مبدعًا في وزن وقيمة وقدرة هذا الأديب والفنان يحق له بعد أن تربع على قمة النجاح أن يعلن على الملأ عن حالة الثقة والطمأنينة والرضا عن أعماله.. غير مبال بإطراء أو هجاء.. بثناء أو ملامة...
وإعلان «جبران» هذا، لا يضيرنا فهو صاحب فكر وليس صاحب قرار مثله مثل أي صاحب فكر له معجبون، وله رافضون..
لكن هل بالإمكان تعميم هذه المقولة والسماح لكل من يتربع على قمة النجاح أن يكون هذا حاله..؟؟
بالتأكيد من حق أي إنسان إذا بلغ هذا المستوى من النجاح أن يعتنق هذه المقولة شرط ..أكرر شرط أن تكون نتيجة عمله لا تؤثر على حياة الآخرين ..
فهناك مهن خيرها وشرها، نجاحها وفشلها ينعكس على صاحبها فقط .. خاصة المهن التي مجالها محدَّد في كماليات الحياة وتخدم فئة محددة من أفراد المجتمع..
لكن أصحاب المهن الأساسية التي لها علاقة مؤثرة على مسيرة ومصير المجتمع أو الأمة، محال أن نرتضي منهم هذه الثقة والطمأنينة والرضا مهما بلغوا من نجاح وتوفيق في عملهم..
هؤلاء مطلوب، بل مفروض عليهم أن يبالوا في كل لحظة، وإلى آخر لحظة، بكل ثناء ينالونه ليزيدوا في إتقان عملهم، وينصتوا جيدًا لكل نقد أو ملامة توجَّه لهم ليستدركوا خطأهم ويحسّنوا أدائهم..
فكل مهنة لها رسالة مقدّسة مثل الطب، التمريض، التعليم، الإعلام هذه مرفوض فيها اللا مبالاة مهما حققوا من نجاح..
كذلك كل من له علاقة سواء كان مسؤولاً كبيرًاأو موظّفًا صغيرًا بالخدمات العامة، والبنية التحتية، والمرافق الحيوية التي يعتمد عليها أفراد المجتمع في حياتهم اليومية، أي نجاح يحققه مهما عظم لا يعني أن يصم أذنيه عن النقد..
وطبعًا وعلى رأس القائمة،أصحاب القرار محال أن نرتضي منهم هذا المبدأ..
رحم الله المغفور له الملك فيصل الذي يشهد له الجميع بالذكاء والحنكة السياسية والنجاح .. كان ينصت للهجوم الذي كان الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله يوجّهه للمملكة في خطاباته، فإن وجد أية نقطة فيها من الواقع شيئا.. استدرك الخطأ وأصلحه فالهدف مصلحة الوطن.. وإذا كان هجومًا باطلاً تجاهله..
لقد كان هذا أسلوب المغفور له موحّد ومؤسّس المملكة الملك عبد العزيز.. أسلوب -الحمد لله- اتبعه جميع أبنائه..
يا سادة يا كرام.. لا تدعو أنفسكم تعظكم.. بل دعو تجارب الحياة هي التي تعظكم لتقول لكم:
كلما زادت أهمية المنصب وأثره في مصير المجتمع زادت المسؤولية وزاد حق المجتمع في المحاسبة والعقاب.. فاحذروا من اعتناق مقولة «جبران» مهما علا شأنكم ومهما حققتم من نجاح..
ُزبدة الكلام للشاعر عبد الإله جدع:
«يا سيدي يا أبا متعب سلمت لنا
أبا عطوفًا وبالإصلاح متصلا»
هذه المقالة للكاتبة انتصار العقيل وقد اعجبتني كثيرا ولي تعقيب بسيط
اعجبتني المقالة حتى اني قراتها 3 مرات وفي كل مرة تستوقفني جملة وفكره وعبارة.
جبران
خليل جبران مفكر وشاعر وفيلسوف عظيم ترجمت كتبه الى عدة لغات ويعرفه الكثير في العالم
الغربي والقلة في العالم العربي.
شكرا لطرحك الجميل،
غالبا ما يتقبل المبدعون نقد
الذات لانفسهم ولا يتقبلون نقد الاخرين لهم، لانهم في حقيقة الامر يبدعون لانفسهم
لارضاء ذاتهم وليس لارضاء الاخرين.
في الجانب الاخر من الطرح لمن هم مؤثرين في مصائر
الناس ، يتوجب على المعادلة ان تكون مختلفة او عكسية، حيث يقاس النجاح بمعدل رضاء
الناس عنك وليس بمعدل رضائك عن نفسك .
وهذا بطبيعة الحال لن يتحقق في حال قررت ان تصم
اذنيك عن سماع الاخرين ورفضت التغيير
الأستاذة انتصار العقيل , قبل سنوات ليست بالقليلة حالفنا الحظ في أحد المواقع التي
كنت ضيفة عليها وأجرينا معك حوار كان من امتع الحوارات الفكرية , انهالت عليك الاسئلة
كالمطر وكانت اجاباتك في قمة الهدوء والصدق والاريحية .
واليوم اقرأ لك هذه المقالة
واتوقف عند كلمة المسئولية التي لم تعد كلمة دارجة في عالمنا العربي أصبحت كلمة
هامشية لأنها أصبحت لا تطبق واقعاً فالمسئول تخلى عن مسئولياته فظهر الفساد في البر
والبحر .
جميله هي التجارب تصقل الانسان لكنها عند البعض مجرد نزوة ولا ينظر لها
كتجربة فالتجارب يا استاذة انتصار علمتنا الكثير لكن في الامتحان نسينا الاجابات
ورسبنا .
كل الشكر والتقدير للكاتبة انتصار العقيل